فصل: قال صاحب روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال صاحب روح البيان:

تفسير سورة الناس:
ست آيات مدينة.
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}
أي مالك أمورهم ومربيهم بإفاضة ما يصلحهم ودفع ما يضرهم.
قال القاشاني: رب الناس هو الذات مع جميع الصفات لأن الإنسان هو الكون الجامع الحاصر لجميع مراتبا لوجود فربه الذي أوجده وأفاض عليه كماله هو الذات باعتبار جميع لأسماء الجمالية والجلالية تعوذ بوجهه بعد ما تعوذ بصفاته ولهذا تأخرت هذه الصورة عن المعوذة الأولى إذ فيها تعوذ في مقام الصفات باسمه الهادي فهداه إلى ذاته وفي الحديث: «أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك». ابتدأ بالتعوذ بالرضى الذي هو من الصفات لقرب الصفات من الذات ثم استعاذ بالمعافاة التي هي من صفات الأفعال ثم لما ازداد يقينًا ترك الصفات فقال وأعوذ بك منك قاصرًا نظره على الذات وابتدأ بعض العلماء في ذكر هذا الحديث بتقديم الاستعاذة بالمعافاة على التعوذ بالرضى للترقي من الأدنى الذي هو من صفات الأفعال إلى الأعلى الذي هو صفات الذات قال بعضهم: من بقى له التفات إلى غير الله استعاذ بأفعال الله وصفاته فأما من توغل في بحر التوحيد بحيث لا يرى في الوجود إلا الله لم يستعذ إلا بالله ولم يلتجئ إلا إلى الله والنبي عليه السلام، لما ترقى عن هذا المقام وهو المقام الأول قال أعوذ بك منك.
يقول الفقير: ففي الالتجاء إلى الله في هذه السورة دلالة على ختم الأمر فإن الله تعالى هو الأول الآخر وإليه يرجع الأمر كله وإن إلى ربك المتهى وفيه إشارة إلى نسيان العهد السابق الواقع يوم الميثاق فإن الإنسان لو لم ينسه لما احتاج إلى العود والرجوع بل كان في كنف الله تعالى دائمًا {مَلِكِ النَّاسِ} عطف بيان جيء به لبيان إن تربيته تعالى إياهم ليست بطريق تربية سائر الملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم بل بطريق الملك الكامل والتصرف الشامل والسلطان القاهر فما ذكروه في ترجيح المالك على الملك من أن المالك مالك العبد وإنه مطق التصرف فيه بخلاف الملك فإنه إنما يملك بقهر وسياسة ومن بعض الوجوه فقياس لا يصح ولا يطرد إلا في المخلوقين لا في الحق فإنه من الين إنه مطلق التصرف وإنه يملك من جميع الوجوه فلا يقاس ملكية غيره عليه ولا تضاف النعوت والأسماء إليه إلا من حيث أكمل مفهوماته ومن وجوه ترجيح الملك على المالك إن الأحاديث النبوية مبينات لأسرار القرآن ومنبهات عليها وقد ورد في الحديث في بعض الأدعية النبوية لك الحمد لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه ولم يرد ومالكه وأيضًا فالأسماء المستقلة لها تقدم على الأسماء المضافة واسم الملك ورد مستقلًا بخلاف المالك ومما يؤيد ذلك إن الأسماء المضافة لم تنقل في إحصاء الأسماء الثابتة بالقنل مثل قوله عز وجل فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا وذي المعارج وشبهها وأيضًا فإن الحق يقول في آخر الأمر عند ظهور غلبة الأحدية على الكثرة في القيامة الكبرى والقيامات الصغرى الحاصلة للسالكين عند التحقق بالموصول عقيب انتهاء السير وحال الانسلاخ لمن الملك اليومالواحد القهار والحاكم على الملك هو الملك فدل إنه أرجح وقد جوزوا القراءة مالك وملك في سورة الفاتحة لا في هذه السورة حذرًا من التكرار فإن أحد معاني الاسم الرب في اللسان المالك ولا ترد الفاتحة فإن الراجح فيها عند المحققين هو الملك لا المالك {إِلَهِ النَّاسِ} هو لبيان إن ملكه تعالى لسي بمجرد الاستيلاء عليهم والقيام بتدبير أمرو سياستهم والتولي لترتيب مبادي حفظهم وحمايتهم كما هو قصارى أمر الملوك بل هو بطريق المعبودية المؤسسة على الألوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلي فيم إحياء وإماتة وإيجادًا وإعدامًا وأيضًا إن ملك الناس إشارة إلى حال الفناء في الله كم أشرنا إليه وإله الناس لبيان حال البقاء بالله لأن الإله هو المعبود المطلق وذلك هو الذات مع جميع الصفات فلما فنى العبد في الله ظهر كونه ملكًا ثم رده الله إلى الوجود لمقام العبودية فتم استعاذته من شر الوسواس لأن الوسوسة تقتضي محلًا وجوديًا ولا وجود في حال الفناء ولا صدر ولا وسوسة ولا موسوس بل إن ظهر هناك تلوين بوجود الأنانية يقول أعوذ بك منك فلما صار معبودًا بوجود العابد ظهر الشيطان بظهور العباد كما كان أولًا موجودًا بوجوده وأيضًا مقام الربوبية المقيدة بالناس هو لحضرة الإمام الذي على باب عالم الملكوت وفيها يشهد وهي موضع نظره فإنها ثلاث حضرات اختصت بثلاثة أسماء نالها ثلاثة رجال وهي حضرة الرب والملك والإله فرجالها الإمامان والقطب والإمامان وزيرن للقطب صاحبا لوقت وينفرد القطب بالكشف الذتي المطلق كما ينفرد الإمام الذي على يسار القطب بباب عالم الشهادة الذي لا سبيل للأمام الثاني الذي يمينه إليه وإنما أضيف أمام الربوبية للناس وهو ما الملكوتيات لأنه لابد له عند موت الإمام الثاني المسمى بالملك أن يرث مقامه بخلاف غير وفي (الإرشاد) تخصيص الإضافة بالناس مع انتظام جميع العالمين في سلك ربوبيته تعالى وملكوته وألوهيته لأن المستعاذ مكنه شر الشيطان المعروف بعدواتهم ففي التنصيص على انتظامهم في سلك عبوديته تعالى وملكوته رمز إلى إنجائهم من هلكة الشيطان وتسلطه عليهم حسبما ينطق به قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وتكرير المضاف إليه لمزيد الكشف والتقرير بالإضافة فإن ما لا شرف فيه لا يعبأ به ولا يعاد ذكره بل يترك ويهمل وقد قال من قال:
أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره ** هو المسك ما كررته يتضوع

فلولا إن الناس أشرف مخلوقاته لما ختم كتابه بذكرهم.
{مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ}
هو اسم بمنى الوسوسة وهو الصوت الخفي الذي لا يحس فيحترز منه كالزلزال بمعنى الزلزلة وما المصدر فالبكسر والفرق بين المصدر واسم المصدر هو أن الحدث أن اعتبر صدوره عن الفاعل ووقوعه على المفعول سمى مصدرًا وإذا لم يعتبر بهذه الحيثية سمى اسم المصدر ولما كانت الوسوسة كلامًا يكرره الموسوس ويؤكده عند من يليه إليه كرر لفظها بإزاء تكرير معناها والمراد بالوسواس الشيطان لأنه يدعو إلى المعصية بكلام خفي يفهمه القلب من غير أن يسمع صوته وذلك بالأغرار بسعة رحمة الله أو بتخييل أن له في عمره سعة وإن وقت التوبة باق بعد سمى بفعله مبالغة كأنه نفس الوسوسة لدوام وسوسته فقد أوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه الوسواس.. الخ.
ولم يقل من شر وسوسته لتعم الاستعاذة شره جميعه وإنما وصفه بأعظم فاته وأشدها شرًا وأقواها تأثيرًا وأعمها فسادًا وإنما استعاذ منه بالإله دون بعض أسمائه كما في السورة الأولى لأن الشيطن هو الذي يقابل الرحمن ويستولى على الصورة الجمعية الإنسانية ويظهر في صور جميع الأسماء ويتمثل بها إلا بالله والرحمن فلم تكف الاستعاذة منه بالهادي والعليم والقدير وغير ذلك فلهذا لما تعوذ من الاحتجاب والضلالة تعوذ برب الفلق وههنا تعوذ برب الناس ومن هذا يفهم معنى قوله عليه السلام، من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي وكذا لا يتمثل بصور الكمل من أمته لأنهم مظاهر الهداية المطلقة.
قال بعض الكبار: الإلقاء إما صحيح أو فاسد.
فالصحيح إلى رباني متعلق بالعلوم والمعارف أو ملكي روحاني وهو الباعث على الطاعة وعلى كل ما فيه صلاح ويسمى إلهامًا.
والفاسد نفساني وهو ما فيه حظ النفس ويسمى هاجسًا أو شيطاني وهو ما يدعو إلى معصية ويسمى وسواسًا وفي آكام المرجان وينحصر ما يدعو الشيطان إليه ابن آدم في ست مراتب المرتبة الأولى الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه وهذا أول ما يريده من العبد والمرتبة الثانية البدعة وهي أحب إلى إبليس من المعصية لأن المعصية يتاب منها فتكون كالعدم والبدعة يظن صاحبها إنها صحيحة فلا يتوب منها فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة الثالثة وهي الكبائر على اختلاف أنواعها فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة الرابع هي الصغائر التي إذا اجتمعت أهلكت صاحبها كالنار الموقدة من الخطب الصغار فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة الخامسة وهي اشتغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقبا بل عقابها فوات الثواب الذي فات عليه باشتغاله بها فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة السادسة وهي أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليفوته ثواب العمل الفاضل ومن الشياطين شيطان الوضوء ويقال له الولهان بفتحتين وهو شيطان يولع الناس بكثرة استعمال الماء قال عليه السلام، تعوذوا بالله من وسوسة الوضوء ومنهم شيطان يقال له خنزب وهو الملبس على المصلي في صلاته وقراءته قال أبو عمر والبخاري رحمهما الله، أصل الوسوسة ونتيجتها من عشرة أشياء أولها الحرص فقابله بالتوكيل والقناعة والثاني الأمل فأكسره بمفاجأة الأجل والثالث التمتع بشهوات الدنيا فقابله بزوال النعمة وطول الحساب والرابع الحسد فاكسره برؤية العدل والخامس البلاء فأكسره برؤية المنة والعوافي والسادس الكبر فاكسره بالتواضع والسابع الاستخفاف بحرمة المؤمنين فاكسره بتعظيمهم واحترامهم والثامن حب الدنيا والمحمدة فاكسره بالإخلاص والتاسع طلب العلو والرفعة فأكسره بالخشوع والذلة والعاشر المنع والبخل فاكسره بالجود والسخاء {الْخَنَّاسِ} أي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه.
حكى- أن بعض الأولياء سأل الله تعالى إن يريه كيف يأتي الشيطان ويوسوس فأراه الحق تعالى هيكل الإنسان في صورة بلور وبين كتفيه خال أسود كالعش والوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو في صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء بين الكتفين فادخل خروطمه قبل قلبه فوسوس إليه فذكر الله فخنس وراءه ولذلك سمى بالخناس لأنه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر في القلب ولهذا السر الإلهي كان عليه السلام، يحتجم بين كتفيه ويأمر بذلك ووصاه جبرائيل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لأنه يجري وسوته مجرى الدم ولذلك كا خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام إشارة إلى عصمته من وسوسته لقوله أعانني الله عليه فأسلم أي بالختم الإلهي وشرح الصدر أيده وبالعصمة الكلية خصه فأسلم قربنه وما أسلم قرين آدم عليه السلام فوسوس إليه لذلك ويجوز أن يدخل الشيطان في الأجسام لأنه جسم لطيف وهو وإن كان مخلوقًا في الأصل من نار لكنه ليس بمحرق لأنه لما امتزج النار بالهواء صار تركيبه مزاجًا مخصوصًا كرتكيب الإنسان وفي الوسواس إشارة إلى الوسواس الحاصل من القوة الحسية والخيالية وفي الخناس إلى القوة الوهمية المتأخرة عن مرتبتي القوتين فإنها تساعد العقل في المقدمات فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وتأخرت توسوسه وتكشكه كما يحكم الوهم بالخوف من الموتى مع إنه يوفاق العقل في أن الميت جماد والجماد لا يخاف منه المنتج لقولنا الميت لا يخاف منه فإذا وصل العل والوهم إلى النتيجة نكص الوهم وأنكرها {الَّذِى يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ} إذا غفلوا عن ذكره تعالى ولذا قال في التأويلات النجمية: أي الناسي ذكر الله بالقلب والسر والروح.
كما قال تعالى: [القمر: 6] {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} بحذف الياء انتهى.
ومحل الموصول الجر على الوصف فلا وقف على الخناس أو النصب أو الرفع على الذم فيحسن الوقف عليه ذكر سبحانه وتعالى وسوسته أولًا ثم ذكر حلها وهو صدور الناس تأمل السر في قوله يوسوس في صدور الناس ولم يقل في قلوبهم والصدر هو ساحة القلب وبيته فمنه تدخل الواردات عليه فتجتمع في الصدر ثم تلج في القلب فهو بمنزلة الدهليز وهو بالكسر ما بين الباب والدار ومن القلب تخرج الإرادات والأوامر إلى الصدر ثم تتفرق على الجنود فالشيطان يدخل ساحة القلب وبيته فيلقى ما يريد إلقاءه إلى القلب فهو يوسوس في الصدور ووسوسته واصلة إلى القلوب قال بعض أرباب الحقائق للقلب أمراء خمسة ملكية يسمون الحواس كحاسة البصر وحاسة السمع وحاسة الشم وحاسة الذوق وحاسة اللمس وأمراء خمسة ملكوتية يسمون أرواحًا كالروح الحيواني والروح الخيالي والروح الفكري والروح العقلي والروح القدسي فإذا نفذ الأمر الإلهي إلى أحد هؤلاء الأمراء من القلب بادر لامتثال ما ورد عليه على حسب حقيقته وقس عليه الخواطر والوساوس فإن عزم الإنسان يخرج كلا منها إلى الخارج ويجريها من طرق الحواس والقوى وقوله في صدور الناس يدل على إنه لا يوسوس في صدور الجن قال في آكام المرجان لم يرد دليل لعى أن الجني يوسوس في صدور الجني ويدخل فيه كما يدخل في الأنسي ويجري مه مجراه من الأنسي.
{من الجنة والناس}
{الجنة} بالكسر جماعة الجن و{من} بيان للذي يوسوس على أنه ضربان جني وإنسي كما قال تعالى: {شَيَاطِينَ الإنسِ وَالْجِنِّ}
والموسوس إليه نوع وأحد وهو الإنس فما أر شيطان الجن قد يوسوس تارة وينسى أخرى فشيطان الإنس يكون كذلك وذلك لأنه يلقى الأباطيل ويرى نفسه في وصرة الناصح المشفق فإن زجره السامع يخنس ويترك الوسوسة وإن قبل السامع كلامه بالغ فيه قال في الأسئلة المقحمة من دعا غيره إلى الباطل فإن تصوره في قلبه كان ذلك وسوسة وقد قال تعالى: ونعلم ما توسوس به نفسه فإذا جاز أن توسوس نفسه جاز أن يوسوسه غيره فإن حقيقة الوسواس لا تختلف باختلاف الأشخاص ويجوز أن تكون من متعلقة بيوسوس فتكون لابتداء الغاية أي يوسوس في صدورهم من جهة الجن إنهم يعلمون الغيب ويضرون وينفعون ومن جهة الناس كالكهان والمنجمين كذلك وفي الجنة إشارة إلى القوى الباطنة المستجنة المستورة إذ سمى الجن بالجن لاستجنانه وفي الناس إلى القوى الظاهرة إذ الناس من الإيناس وهو الظهور كما قال آنست نارًا وفي هذا المقام لطيفة بالغة وهي إن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة وهي إنه رب الفلق والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات وهي الغاسق والنفاثات والحاسد وإما في هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بثلاثة أوصاف وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة ومن المعلوم إن المطلوب كلما كان أهم والرعبة فيه أتم وأكثر كان ثناء الطالب قبل طلبه أكثر وأوفر والمطلوب في السورة المتقدمة هو سلامة البدن من الآفات المذكورة وفي هذه السورة سلامة الدين من وسوسة الشيطان فظهر بهذا إن في نظم السورتين الكريمتين تنبيهًا على إن سلامة الدين من وسوسة الشيطان وإن كانت أمرًا واحدًا إلا أنها أعظم مراد وأهم مطلوب وإن سلامة البدن من تلك الآفات وإن كانت أمورًا متعددة ليست بتلك المثابة في الاهتمام وفي آكام المرجان سورة الناس مشتملة على الاستعاذة من الشر الذي هو سبب الذنوب والمعاصي كلها وهو الشر الداخل في الإنسان الذي هو منشأ العقوبات في الدنيا والآخرة وسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شر من خارج فالشر الأول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه لأنه ليس من كسبه والشر الثاني يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهي وعن عائشة رضي الله عنها، قالت كان رسول الله إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهما وقرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبد بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يصنع ذلك ثلاث مرات وفي قوت القلوب للشيخ أبي طالب المكي قدس سره وليجعل العبد مفتاح درسه أن يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون وليقرأ قل أعوذ برب الناس وسورة الحمد وليقل عند فراغه من كل سورة صدق الله تعالى وبلغ رسوله اللهم أنفعنا وبارك لنا فيه الحمد رب العالمين واستغفر الله الحي القيوم.
وفي أسئلة عبد الله بن سلام أخبرني يا محمد ما ابتداء القرآن وما ختمه قال بتداؤه بسم الله الرحمن الرحيم، وختمه صدق الله العظيم قال صدقت وفي خريدة العجائب يعني ينبغي أن يقول القارئ ذلك عند الختم وإلا فختم القرآن سورة الناس وفي الابتداء بالباء والاختتام بالسين إشارة إلى لفظ بس.
يعني حسب أي حسبك من الكونين ما أعطيناك بين الحرفين كما قال الحكيم سناني رحمه الله.
يقول الفقير أيده الله القدير إن الله تعالى إنما بدأ القرآن ببسم الله وختمه بالناس إشارة إلى أن الإنسان آخر المراتب الكونية كما أن الكلام آخر المراتب الإلهية وذلك لأن ابتداء المراتب الكونية هو العقل الأول وانتهاؤها الإنسان ومجموعها عدد حروف التهجي وأول المراتب الإلهية هو الحياة وآخرها الكلام ولذا كان أول ما يظهر من المولود الحياة وهو جنين وآخر ما يظهر منه الكلام وهو موضوع لأن الله تعالى خلق آدم على صورته فكان أول الكلام القرآني اسم الله لأنه المبدأ الأول وآخره الناس لأن الإنس هو المظهر الآخر والمبتدئ يعرج تعلمًا إلى أن ينتهى إلى المبدأ الأول واسمه العالي والمنتهي ينزل تلاوة إلى أن ينتهي إلى ذكر الأنس السافل وحقيقته أن الله تعالى هو المبدأ جلاء والمنتهى استجلاء وهو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية.
(روى) عن ابن كثير رحمه الله، إنه كان إذا انتهى في آخر الختمة إلى قل أعوذ برب الناس قرأ سورة الحمد رب العالمين وخمس آيات من أول سورة البقرة على عد الكوفي وهو إلى وأولئك هم المفلحون لأن هذا يسمى حال المرتحل ومعناه إنه حل في قراءته آخر الختمة وارتحل إلى ختمة أخرى إرامًا للشيطان وصار العمل على هذا في إمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها وورد النص عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إن من قرأ سورة الناس يدعو عقب ذلك فلم يستحب أن يصل ختمه بقراءة شيء وروى عنه قول آخر بالاستحباب واستحسن مشايخ العراق قراءة سورة الإخلاص ثلاثًا عند ختم القرآن كان كمن شهد المغانم حين تقسم ومن شهد فاتحة القرآن كان كمن شهد فتحًا في سبيل الله تعالى وعن الإمام البخاري رحمه الله إنه قال عند كل ختمة دعوة مستجابة وإذا ختم الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه ومن شك في غفرنه عند الختم فليس له غفران ونص الإمام أحمد على استحباب الدعاء عند الختم وكذا جماعة من السلف فيدعو بما أحب مستقبل القبلة رافعًا يديه خاضعًاموقنًا بالإجابة ولا يتكلف السجع في الدعاء بل يجتنبه ويثنى على الله تعالى قبل الدعاء وبعده ويصلي على النبي عليه السلام يمسح وجهه بيديه بعد فراغه من الدعاء.
وعنه عليه السلام أنه أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يدعو عند ختم القرآن بذا الدعاء وهو اللهم إني أسألك إخبات المخبتين وإخلاص الموقنين ومرافقة الأبرار واستحقاق حقائق الإيمان والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم ووجوب رحمتك وعزائم مغفرتك والفوز بالجنة والخلاص من النار وفي شرح الجزري لابن المصنف ينبغي أن يلح في الدعاء وإن يدعو بالأمور المهمة والكلمات الجامعة وأن يكون معظم ذلك أو كله في أمور الآخرة وأمور المسلمين وصلاح سلاطينهم وسائر ولاة أمورهم في توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق عليه وظهورهم على أعداء الدين وسائر المخافين وبما كان يقول النبي عليه السلام عند ختم القرآن اللهم ارحمني بالقرآن العظيم واجعله لي أماما ونورًا وهدى ورحمة اللهم ذكرني منه ما نسيت وعلمني منه ما جهلت وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله حجة لي يا رب العالمين وكان أبو القاسم الشاطبي رحمه الله يدعو بهذا الدعاء عند ختم القرآن الهم أنا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء أماتك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو نزلته في شيء من كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا شوفاء صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا وسائقنا وقائدنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم وإدارك دار السلام مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين. اهـ.